هجـر صـلاة المغـرب جماعـة فـي المسجـد فـي رمضـان
بسم الله الرحمن الرحيم
هجر صلاة المغرب جماعة في المسجد في رمضان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بلغنا أنه لا تقام صلاة المغرب في بعض المساجد في رمضان , وأن بعض المؤذنين يؤذن ولا يصلي في المسجد , بل أنه يعيب على بعض الناس الذين يأتون لأداء صلاة المغرب في المسجد , وأن كثيراً من الأئمة لا يصلون المغرب في مساجدهم .
إن هجر المساجد في صلاة المغرب ظاهرة مقلقة جداً , وخاصة في رمضان من عامة الناس , وخاصة أئمة المساجد , والذين ينبغي أن يكونوا القدوة الحسنة في ذلك , وخاصة الذين رجعوا إلى الصلاة حديثاً , حيث أنه تجد من هؤلاء الجدد من يصلي المغرب جماعة في المسجد فيتساءل عن الأئمة ويتساءل عن جيران المسجد أين هم من صلاة الجماعة في المسجد .
لذلك لا بد من بيان حكم صلاة الفرض جماعة في المسجد بشكل عام , من خلال هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء , ولهم في صلاة الجماعة في المسجد أربعة أقوال :
1- فمنهم من قال : إنها شرط لصحة الصلاة , أن من صلى في بيته بدون عذر شرعي فإن صلاته باطلة , وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن عقيل رحمهما الله تعالى .
والعذر الشرعي إما مرض , وإما سفر , وإما مطر , وإما خوف من عدو .
2- ومنهم من قال : إنها فرض عين , وإن تركها يأثم – الحنابلة .
3- ومنهم من قال : إنها فرض كفاية , فإذا قام بها البعض سقط عن الباقين – الشافعية .
4- ومنهم من قال: إنها مؤكدة , وفسروها بأن تاركها يأثم – الحنفية والمالكية .
روى مسلم ص453 عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى , وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه " , وفي رواية : " ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم , وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور , ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة حسنة , ويرفعه بها درجة , ويحط عنه بها سيئة , ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق , ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف " .
وفي رواية أبي داود 1/130 : " وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم " .
فهذه الأدلة الأثرية تؤيدها الأدلة النظرية : فإن صلاة الجماعة لو لم تجب في المساجد لفاتت بها مصلحة عامة : من إظهار الشعائر واجتماع المسلمين , والتعارف بينهم , وهداية ضالهم , وتقويم معوجهم , وحصل بذلك مفاسد كبيرة : من تعطيل المساجد , وتفريق المسلمين , وفتورهم عن الصلاة , وغير ذلك لمن يتأمل .
وقال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في رسالة المسجد ص373 : " وأمروا رحمكم الله بالصلاة في المساجد من تخلف عنها , وعاتبوهم إذا تخلفوا عنها , وأنكروا عليهم بأيديكم , فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم , واعلموا أنه لا يسعكم السكوت عنهم , لأن التخلف عن الصلاة من عظيم المعصية ... ثم ذكر حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وقال : فلو لا أن تخلفهم عن الصلاة في المسجد معصية كبيرة وعظيمة ما تهددهم النبي صلى الله عليه وسلم بحرق منازلهم , ثم ذكر أثر عمر في المتخلفين وقوله : ليحضرن المسجد أو لأبعثن إليهم من يجافي رقابهم " .
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – في الأم 1/154 : " فلا أرخّص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر " .
وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتاب الصلاة له ص461 : " ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر , وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار , ثم ذكر خطبة عتاب ابن أسيد في أهل مكة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه , ثم قال ابن القيم : فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر " .
وقال المجد في المحرر 1/91+92 : " وفعلها في المسجد فرض كفاية , وعنه فرض عين , قال في النكت عليه : وزاد غير واحد على أنها فرض عين على القريب منه , وقطع به في الرعاية ودليل هذا واضح " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 23/225 : " والمقصود هنا أن أئمة المسلمين متفقون على أن إقامة الصلوات الخمس في المساجد هي من أعظم العبادات وأجل القربات " .
أما ابن حزم فإنه يرى أنها لا تجزئ صلاة فرض من رجل يسمع الأذان إلا في المسجد مع الإمام , فإن كان لا يسمع الأذان صلى جماعة في مكانه إن وجد أحداً , وإلا أجزأته الصلاة وحده " . صرح بذلك في المحلى 4/188 .
نرى من الأدلة وأقوال العلماء السابقة أنه لا يجوز التأخر عن صلاة الجماعة لمن يسمعون صوت الأذان بلا عذر من الشرع وخاصة جيران المسجد , حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص للأعمى الذي طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في الصلاة في بيته . وخاصة في شهر رمضان شهر العبادة والرحمة والمغفرة والعتق من النار .
نجيب على من يدعي أن هناك نصوصاً تدعو إلى المبادرة بالإفطار عند غروب الشمس , ونصوص أخرى تدعو إلى المبادر بصلاة المغرب فكيف يمكن الجمع بين هذه النصوص والصلاة في المساجد ؟
فإنه يمكن الجمع بين هاتين الفضيلتين وهما : تعجيل الفطر , وتعجيل صلاة المغرب بأن يكون الإفطار خفيفاً جداً على شراب حلو أو طعام حلو كالعجوة أو التمر أو على ماء إذا لم تجد شيئاً حلواً , ثم تصلي المغرب , ثم بعد ذلك تكمل الإفطار في طمأنينة وراحة بال .
وروى أبو داود عن أنس – رضي الله عنه – أن : " النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي المغرب , وفطره كان على رطبات , فإن لم يجد فتمرات فإن لم يجد فعلى ماء " .
ويؤخذ من هذا أن : تقديم الفطر على صلاة المغرب هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم لكن ليس معنى هذا أن يفطر الإنسان كاملاً وأن يستغرق فيه وقتاً طويلاً , ثم بعد ذلك يقوم لصلاة المغرب في آخر وقتها , لأن الصلاة في أول وقتها من أفضل الأعمال .
لذلك نتوجه إلى الأئمة الأفاضل لأن يحيوا صلاة المغرب في جماعة كما يحرصوا على صلاة التراويح , مع أن صلاة التراويح سنة وصلاة المغرب فريضة ومن الصلوات الخمسة , حتى يقتدي بهم الآخرون