السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بيت بسيط وأثاث متواضع تفوح منه رائحة الإهمال، طفل يرتمي في حضن كل زائر باحث عن الحنان، و صغيرة بريئة تحاول التسلية بأتفه الألعاب، أخت أكبر منها بقليل منزوية في إحدى أركان البيت تقلب صفحات ألبوم العائلة متفوهة بكلام يائس كلما نظرت إلى صور والدها، وأخرى تطلب لقمة تسد بها ألم الجوع، سيدة في مقتبل العمر أخفت جمالها هموم وقساوة الزمن، تحيط بها أوراق مبعثرة ومسكنات من كل الجوانب.
هؤلاء الأشخاص المذكورين ليسوا أبطال رواية درامية أو شريط تلفزيوني إنما هي حياة واقعية تعيشها الأسرة الصغيرة لقنصل مغربي سابق ببلجيكا حاولت ''التجديد'' في زيارة لهذه الأسرة بالرباط الاقتراب أكثر من مليكة وأبنائها ربما لنتعرف على أسباب وتداعيات هاته المأساة.
كفاءتي سبب نجاحي
مليكة بلعايل من مواليد 1967 سيدة طموحة تربت وسط عائلة متواضعة ومحافظة، تحكي لـ''التجديد'' قائلة: ''تعلمت منذ صغري أن أعتمد على نفسي في كل أموري الخاصة، فبعدما توفي والدي تكفلت أختي الكبرى التى تشتغل كاتبة عميد شرطة بتربيتنا تربية صارمة وعسكرية''.
وعن مستواها الدراسى والكيفية التى اشتغلت بها، تقول مليكة متنهدة '' كنت محظوظة جدا فبعد إجرائي لثلاث مباريات - ممرضة عسكرية، مضيفة استقبال في المطار، ثم المدرسة الإدارية - نجحت في المباريات الثلاث، وكأن القدر أبى إلا أن أختار العمل بوزارة الخارجية وأترقى بعد سنة لأصبح الكاتبة الخاصة لزوجي الدبلوماسي الموريتاني الأصل والحامل للجنسية المغربية.
تحكي مليكة :''أخبرني قبل الزواج أنه مطلق وله إبنة فقط، وبالفعل كانت تزوره من حين لآخر في مكتبه مما جعلني أوافق على الارتباط بدون تردد خصوصا وأن معاملته كانت جد طيبة مع الجميع، غادرت عملي دون تقديم الاستقالة بعد ترقية زوجي من منصب رئيس مصلحة بوزارة الخارجية بالمغرب إلى قنصل بهولندا لألتحق به هناك وأسعد بحياتي إلى جانبه حيث كنت أرافقه في كل الأنشطة الدبلوماسية، لكن فرحتي لم تدم سوى شهرين لأكتشف بعد مدة غير وجيزة أنني الرقم الثامن من مطلقاته.
مسيرة حياة لاسترجاع ما ضاع
قوة شخصية مليكة وثقتها بنفسها جعلتها تسترجع أنفاسها، وتتقبل الصدمة بمرارة، عائدة إلى عملها السابق مع القيام بدورات تكوينية قصد الرفع من مستواها تضيف ''ثابرت من أجل إثبات مكانتي لمدة ثلاث سنوات إلى أن جاء طليقي يوما متوسلا مني الصفح، ورجعت لبيت الزوجية من جديد، رزقت بطفلتين أثناء إقامتنا بفيلا بمدينة المهدية نواحي الرباط إلى أن عين كقنصل عام ببلجيكا.
وبنبرات الحزن وذرف الدموع أكملت مليكة سرد قصتها قائلة:''عشت في هذه الدولة ست سنوات وأنجبت طفلا وطفلة وزاد اهتمام زوجي بي وبأولادنا وتم تدريسهم في أرقى المؤسسات التعليمية إلا أن الحياة كانت قد خبأت لنا من المآسي ما لم نكن ننتظره.
فرحة العودة لم تكتمل
لم تكن تعلم زوجة الدبلوماسي أن عودتها إلى المغرب ستغير مجرى حياتها جذريا، تقول بنفسية متدهورة، ''أخبرني زوجي بانتهاء مهمته وضرورة رجوعنا للوطن حيث طلب منى السفر رفقة الأولاد وترك أغراضي من أثاث ومجوهرات وألماس بحجة عدم إزعاجي أثناء الرحلة خصوصا وأنه سيلحق بنا حالما يتسلم منصبه الجديد، رسمت أجواء الفرحة في مخيلتي قبل أن تطأ قدماي مطار الدارالبيضاء حيث أن عائلتي كانت تستعد لإحياء حفل ختان ابني، لكن الفرحة انقلبت إلى حزن وخيبة أمل عندما اتصلت به واستفسرته عن عدم وجود أخيه لاستقبالنا في المطار ومن ثم اصطحابنا للفيلا كما اتفقنا، ليخبرني بنبرة تهكمية: ''أي فيلا تريدين الذهاب إليها، خذي أبناءك إلى منزل أهلك وانتظري ورقة طلاقك''.
انقلبت حياة مليكة في ساعات وجيزة حيث صدمت في شريك حياتها والطريقة التي نهجها للتخلص منها، خاصة لما ذهبت لتستقر في إحدى ''فيلاته'' الأربعة بعد استشارة قانونية من المحامي بإمكانية الاستقرار في بيت الزوجية مادام لها أبناء منه.
تقول مليكة وهي تعتصر الكلمات بألم: ''دخلت إلى الفيلا لكنني وجدتها فارغة من الأثاث، فعاودت الاتصال به قصد الاستفسار عن سبب هذه التصرفات لكنه تجاهلني وقام بالتبليغ لدى النيابة العامة مستغلا حصانته بأنني مجرد سيدة مشردة تحتمي بمنزله إلا أن وثائقي القانونية حمتني من تعسف الدرك، لم يستسغ طليقي تحدي له ودفاعي عن حقوق أبنائي معتبرا أن هذا خرق لعادات وتقاليد عائلته الموريتانية''.
خادمة بالبيوت بانتظار النفقة
تعرضت مليكة للتنكر من جميع المحيطين بها بعدما طردت من الفيلا التي باعها طليقها لأخيه، هذا الأخير الذي فصل عدادات الماء والكهرباء إضافة إلى التهديد والتحرش بها، مما جعلها تقبل بأن يتكلف طليقها بإيجار بيت بسيط لا تتعدى سومته الكرائية ألف درهم وهي مهددة الآن بالإفراغ تقول '' أنا الآن أعمل كخادمة في البيوت لضمان لقمة عيش لأبنائي بالحلال''.
و كان ينتظر أن تحكم محكمة قضاء الأسرة يوم 20 مارس االماضي في قضية النفقة التى تأخرت مدة 10 أشهر بحجة ''مهلة للتفكير'' في حين هناك دعوى قضائية وجهها طليقها حول إثبات نسب الأبناء دون إعطاء أي دليل حسب محضر المحكمة وحسب مذكرة محامية مليكة (نزهة العلوي) أن الخبرة الطبية لا يحكم بها جزافا بل يشترط لذلك إدلاء الزوج بدلائل قوية على ادعائه وهذا ما تنص عليه المادة 153 من مدونة الأسرة وأن طلب الزوج لم يدل بأية حجة تثبت ادعاءه.
أياد خفية وراء تأخر النفقة
لم نجد في زيارتنا لبيت مليكة إلا بعض المحسنين ورئيسة ''جمعية ماتقيش أولادي''. التي صرحت لـ>التجديد<:''شخصيا تابعت قضية مليكة منذ عودتها من بلجيكا بعدما اتصلت بي وطلبت مني الحضور العاجل لمساندتها على هذه الوضعية المزرية منذ سنة ,2004 بحيث كان أطفالها دون تمدرس ولا تطبيب ولا عناية مما جعلنا نفكر كجمعية في حل هذه ا لقضية خاصة أن تكوينهم الدراسي فرنسي، وكنا مخيرين بين حلين دخولهم للبعثة الفرنسية التي تتطلب أموالا طائلة، أو إعادة تدريسهم من مستوى الحضانة لكي يتعلموا العربية كتابة وقراءة وبعد طرق أبواب الجهات المسؤولة كنت أتلقى تهديدات هاتفية دون إظهار رقم المتصل ويطالبونني بعدم التدخل في الأمر وبلهجة مغربية ''دخلي سوق راسك'' وأجزم أن هناك أياد خفية تلعب في ملف مليكة والأب يمتنع حتى عن أداء مصاريف العيش، وبالأحرى مصاريف التمدرس لكن ما مصير بناته الثلاث وخاصة عندما صرحت لي أن إحدى بناتها قد تعرضت للتحرش الجنسي أثناء عملها كخادمة بالبيوت.
وتختم نجية أديب بقولها: ''إن ما نطالب به في جمعية ''ما تقيش أولادي'' الآن هو تدخل وزارة الخارجية لإرجاعها للعمل وتكفل والدهم بهم ماديا ومعنويا ونفسيا وقد سبق للجمعية أن اتصلت به لكنه رفض التجاوب معنا وطلب أن نبتعد عن الملف''.
منقـــــــــــــــــول